الدارجة
في التعليم، إصلاح أم تهور؟
عبدالواحد
رشيدي
لا حاجة إلى
التأكيد أن الأمر مجرد فقاعة فارغة، إذ
لايجرؤ أي مسؤول جاد
على المقامرة بمصير التعليم بالمغرب
بناء على دعوة فارغة المضمون
كما سنرى..
ليست
هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها موضوع
الدارجة بالمغرب بعد أن أثير في مصر في
الستينيات من القرن الماضي.
ورغم
اختلاف التجربتين، إلا أن الدعوة هذه
المرة في المغرب تحاول، عن وعي أو بدونه،
أن تحرف النقاش عن قضية إصلاح المنظومة
التربوية وراهنيتها بافتعال هوامش يتلهى
بها الناس.
لقد
سبق فيما مضى أن قارن البعض وضعية اللغة
العربية اتجاه لهجاتها الدارجة في الأقطار
العربية باللغة اللاتينية بالنسبة للغات
الأوروبية التي نعرف اليوم..
قارن
اللغتين ولم يقارن المجتمعات عن جهل أو
سوء نية..
لنتذكر
أن الإصلاح اللغوي في أوروبا قد بدأ منذ
القرن 16م
بموازاة الإصلاح السياسي والاجتماعي.
وتبقى
التجربة الفرنسية نموذجية في هذا الباب.
لم
تعتمد الفرنسية في التعليم إلا في القرن
19م
على يد نابوليون، وذلك بعد أن قامت ثورة
كبيرة، كما هو معلوم، قلبت النظام القديم
واستبدلته بنظام جديد، قوامه العقلانية
في مقابل الكهنوتية، الإبداعية في مقابل
الاتباعية، الانتاجية في مقابل الريعية،
المساواة في مقابل الامتيازات، الحرية
في مقابل السخرة,,
آنذاك
طُرح السؤال عن أي مجتمع نريد لأي مواطن؟
فظهرت السوسيولوجيا ومعها العلم الموضوعي
كأساس للمعرفة، فبدا واضحا ما يجب أن
يتعلمه المواطن في المدرسة وبأي لغة.
إلا
أن ما ينساه أو يتناساه دعاة الدارجة
عندنا، أن المعجم الفرنسي قد بدأ العمل
فيه ابتداء من القرن 16م
(1573م)
حيث
تم نقل الألفاظ اللاتينية إلى الفرنسية،
ليكون أساس أول معجم فرنسي سنة 1606م
على يد جان نيكو (Jean
NICOT). ومنذ
ذلك الحين والمعجم الفرنسي يتجدد إلى
اليوم,
وفي
سنة 1780م
قام لومون (L'abbé
LHOMOND) بوضع
قواعد النحو الفرنسي لأول
مرة، وكان يجب انتظار حتى
سنة 1809م
ليظهر أول كتاب مدرسي لتعليم الفرنسية
في الابتدائي على يد مورلي و ريشاردو(Morlet
et Richardot : Cours de langue française à l'usage des école
primaires) في
عهد نابوليون الثالث,
وبالموازاة
مع هذا العمل البيداغوجي الأساسي، كان
هناك إنتاج معرفي مواكب باللغة الفرنسية.
لاننس
أن ديكارت ألف “المقال في المنهج” سنة
1637م
أول مِؤلف فلسفي في الفرنسية، وأن رابلي
(Rabelais)
ألف
أول الروايات بالفرنسية قبل ذلك،
سنوات 1532-1564م٫٫
أما الكتاب المقدس فقد بدأت ترجمته جزئيا
في القرن 13م
ولم تتم ترجمته بالكامل إلا في عهد شارل
الخامس سنة 1377م
على يد راوول دو بريل (Raoul
de Presles).
فهل
دعاة الدارجة عندنا يستخفون بذكائنا
عندما يضعون العربة أمام الحصان؟
إذا
كانت نيتهم صادقة، فعليهم الإجابة عن هذه
الأسئلة :
- أين هو المعجم المتجدد للدارجة الذي يمكن أن يعود إليه أي متعلم للغة؟
- أين هو العمل اللساني الذي يضع قواعد النحو لتوحيد مجموع اللهجات المستعملة في كل المناطق المغربية، (لنتذكر لغة الأويل والأوك في فرنسا Oïl/Oc)؟
- أين هي المعارف العلمية والفلسفية التي تم إنتاجها بالدارجة والتي ستدرس في المدارس والجامعات؟
- أين هي الترجمات الدقيقة لمصطلحات العلم والتكنولوجيا والتي تخصص لها الدول الأوروبية ميزانيات ضخمة؟
- أين هي الآداب النثرية من رواية وقصة وأقصوصة ومقالة باللغة الدارجة، التي من المفروض أن تكون مادة تعليم اللغة؟
هذه
الأسئلة وغيرها كثير، تخفي في الحقيقة
السؤال الأساسي والجوهري فيما وراء مسألة
اللغة والتعليم :
أي
مواطن نريد لأي مجتمع؟؟؟ وهو سؤال مازلنا
لم نحسم في الإجابة عنه، وغيرنا فعل..
في
أوروبا منذ قرون.
وهنا
بالضبط تكمن معضلة إصلاح التعليم.
فعندما
يدعو السيد إدريس كسيكس (بلغة
دارجة رديئة)
إلى
اعتماد الدارجة في التعليم، وهو صحافي
فرونكوفوني..
فلا
يمكن إلا أن نتساءل إن كان يستطيع كتابة
نص صحافي واحد بلغته الأم :
الدارجة
المغربية، مع سهولة الأمر بالمقارنة
بالمعارف
العلمية والفلسفية والأدبية؟؟ وإلا فكلام
الليل يمحوه النهار..
أما
بخصوص السيد نورالدين عيوش الذي لايعرف
إلا الفرنسية ولا يعيش إلا بها، فلا يسعنا
إلا الابتسام..
بغض
النظر عن خلفياته.
عبدالواحد
رشيدي