الخميس، 20 يونيو 2013

عن تحالف العلمانيين والإسلاميين

*يوسف الفتوحي أستاذ فلسفة وناشط سياسي وحقوقي
 معلوم أن الاستبداد المخزني يتغذى، في إعادة إنتاجه لنفسه، على طبيعة البنية الثقافية السائدة، وهي بنية أبوية تخترق كل العلاقات، وكل مستويات التراتبية الاجتماعية من علاقة أب الأسرة بطفله إلى علاقة الملك ب"الرعية"، وفق منظومة من القيم التقليدية المسوغة لها، بل وفق تمثل للعالم يضع "الأب"/الشيخ/ الملك..
في مركز الوجود باعتباره مصدر العطاء الرمزي والمادي، إذ يقاس النجاح الروحي والدنيوي للمرء بمدى الطاعة والقرب من هذا المركز. ومعلوم أن فكر الإسلاميين في ماهيته (مرجعية وبرنامجا) يذهب في اتجاه التعزيز المطلق لهذه البنية، وبالتالي التأسيس لاستبداد سياسي أكثر طغيانا، خاصة وانه سيحاط بمشروعية "الحاكمية" الإلهية على مستوى التبرير الأيديولوجي.
فإذا كان الحديث عن البنية الثقافية ينتمي بالضرورة إلى مجال القيم، فإن الرفاق حين يقولون: "لنترك مسألة القيم جانبا في تعاملنا مع الإسلاميين، ولنتفق معهم على التنسيق الميداني من أجل إسقاط الاستبداد"، يسقطون بذلك في تناقض صارخ. إذ كيف لمن يؤسس لاستبداد ثيوقراطي/أبوي مطلق أن يعمل على إسقاط الاستبداد؟
قد يعترض معترض فيقول بالمراهنة على المراجعة الفكرية والأيديولوجية التي قد يقوم بها الإسلاميون في غمار صيرورة النضال المشترك، أو على الأقل قد يقول آخر بمقولة "فرز الرايات والضرب معا في جبهات محددة ومطالب بعينها تؤطرها شعارات عامة مشتركة". لكن التجارب التاريخية كلها تدحض هذه الأطاريح، فالاسلاميون ينطلقون من مرجعية حقيقتهم الذاتية المقدسة والمطلقة من جهة وشيطنة الآخر من جهة أخرى، وحتى عندما يقومون بمراجعات لا يعدو الأمر أن يكون مجرد تكتيكات لحظية سرعان ما يتراجعون عنها، كما أن العمل المشترك معهم لا يعدو أن يكون مصاحبة الذئب للحمل إلى حيث المكان المناسب للانقضاض عليه. بل إن التحالف معهم يساهم في إعطاء المصداقية لمشروعهم الماضوي وفك العزلة السياسية عنهم، إلى حين تمكنهم ليعملوا بعد ذلك على تصفية كل مخالف ومختلف(إيران، السودان، تونس، مصر، بل حتى مواقف العدل والإحسان بعد الخروج من 20 فبراير..).
الرهان أولا إذن على إسقاط الشروط الثقافية للاستبداد، على تثوير البنية الثقافية وقتل مركزية الأب في التمثل الوجودي لأفراد المجتمع. فالاستبداد قبل أن يسقط كماكرو- سلطة سياسية ينبغي أن يسقط كميكرو سلطة منتشرة ومتغلغلة في كل نقطة من نقاط الفضاء الاجتماعي كما يقول فوكو، إذ من بين مشاكلنا الأساسية تصورنا التقليدي للسلطة باعتبارها محصورة في الشكل السياسي المباشر أي سلطة الدولة، وهو تصور متجاوز نظريا (مفهوم الهيمنة الثقافية لدى غرامشي، تصور فوكو للسلطة، دراسة ألتوسير للمؤسسات الأيديولوجية... ) وتاريخيا  (تونس ، مصر، ليبيا) إذ حتى حين سقط المستبد ظل الاستبداد قائما وبمباركة أغلبية المجتمع. وبالتالي ينبغي العمل أولا وأساسا على الجبهة الثقافية القيمية ليس فقط في شكل حملات إعلامية صادمة وخاطفة، وإنما العمل التثقيفي التربوي الدءوب ذو النفس الطويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق