الثلاثاء، 9 يوليو 2013

تأويلية "الذاكرة الدينية" و"معركة الشارع" بين الإسلاميين و العقلانيين(3).


    بقلم: عبد الـواحـد ايــت الزيـن
      المغرب  -   ابن جرير 
   (....)  لا جدال أن الإسلام بعد وفاة الرسول (ص)، سيشهد أزمات على جميع الأصعدة، وبخاصة منها العلاقة بين الجانب الدعوي العقائدي والجانب التوسعي السياسي، فلعل الخلافات التي نشبت بعد ذلك طيلة مراحل التاريخ الإسلامي، كانت عبارة عن خلافات سياسية أساسا، وكان  فيها الدين سلاحا فعالا من أسلحة الصراع السياسي
بين الفرق السياسية-الكلامية، مما أنتج تأويلا متعددا للعديد من الآيات القرآنية الخاصة بخلق القرآن، و الجبر، والاختيار، و مرتكب الكبيرة، و صفات الله...وغيرها كثير، بل لقد أدى الأمر في غالب الأحيان إلى التدخل "البلطجي" للسلطة السياسية لتغليب طرف تأويلي على آخر،حيث تم الإعلاء من شأن المعتزلة زمن المأمون، والمعتصم،والواثق، قبل أن ينقلب آل العباس "السفاح" على مذهب الاعتزال مقابل الانتصار للأشعرية زمن "المتوكل"، كما تم سجن ابن تيمية ومحاكمة ابن حنبل وذلك قليل من كثير، وهذه الخلافات ليست حكرا على هذه الفترة المتقدمة من تاريخ الإسلام، بل إن بوادرها تعود إلى زمن خلفاء الرسول، فقد نشبت صراعات سياسية  بينهم على السلطة، ومذ ذاك الحين سيبدأ التاريخ – ليس الرسمي و المعالمي منه طبعا - بكتابة "وادي الدماء" في تاريخ الإسلام السياسي، والحوادث التاريخية في هذا الصدد أشهر من أن يحال إليها، وتكفي الإشارة للإضاءة، الإشارة إلى" القتلة الشنيعة والبشعة التي قتل بها عثمان بن عفان- ونذكر بأنه مبشر بالجنة- ودخول عائشة على خط الصراع السياسي بين علي، وطلحة والزبير خلال موقعة الجمل، موقعة عرفت قتل 13 ألف مسلم[1]  ، وتكفير الخوارج لعلي بن أبي طالب وقتل أتباعه، والاغتيال الذي تعرض له الحسن والحسين بكربلاء"، وهي كلها تذكار على التحول الذي عرفه الإسلام آنئذ من دين القيم السمحة الموحى بها إلى الواقع السياسي الذي لا يعترف بوحي أو بقرب من رسول الله أو غيره. بقدر اعترافه بالتخطيط،و الدهاء، والقدرة على المناورة.
   إن الملاحظ هو أن الديانات التوحيدية الثلاث، تأتي في البداية على خطى الحمائم[2] ، تأتي متساهلة ومتعايشة و متسامحة، لكن بمجرد ما أن ينقضي أجل رسلها، ويتقوى أتباعها، حتى تتحول إلى ديانات قمعية وحشية غير متسامحة،                                                                                                                                                   وهو ما أوضحه بشكل جلي دافيد هيوم في قراءاته لتاريخ الدين الطبيعي- دين هيوم نفسه- كنتيجة لمقارنته بين الأديان التوحيدية الثلاثة والديانة الوثنية والدين الطبيعي، إذ خلص إلى اشتراك الوثنية والدين الطبيعي في صفة التسامح، مقابل تعصب الدين التوحيدي بعقائده الثلاث[3]، ولعل الضحية الأوفر تضررا هي "الديانة الوثنية"، ونعتقد أنه لابد من إعادة تقييم النظر التاريخي لهذه الديانة على أساس تقدير دورها في الإنتاجات  الحضارية والثقافية الغزيرة، كفن النحت والشعر، على سبيل المثال لا الحصر ، والإسلام نفسه يدين لهذه الديانة بالعديد من الطقوس التي يدعي إبداعها من الصفر، فنعتقد أنه لا توجد درجة صفر في الثقافة والحضارة وفي الإنتاج الإنساني بعامة، وقد كانت الوثنية متسامحة نوعا ما مع الديانات التوحيدية الثلاث لدى ظهورها، فلم تعرها اهتماما كبيرا، فكان أن رد التوحيديون على تسامح الوثنيين بإشاعة ثقافة العنف والتقتيل ضدهم، فعملوا جاهدين على اجتثاثهم، والتاريخ الإنساني يثبت ذلك، ولنأخذ نموذج "الدين الإسلامي"، فقد أفضنا في الحديث عن بدايته السلمية وتوقفنا  ونحن بصدد حكي حكايته الدموية، التي يجهد البعض نفسه في سبيل مواراتها، وجعلها طي النسيان، حكاية تبدو غريبة عن روح الإسلام، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك آنفا. فلعله من الوهم الاعتقاد بأن السياسة التوسعية – وقد نقول الاستعمارية - التي انتهجها خلفاء الرسول (ص) بعد مماته، كانت بهدف نشر الدين فقط، بل لقد تجاوزتها إلى الرغبة في بسط السيطرة السياسية على المعمور، ولا أدل على ذلك خيرا من سماح الخلفاء بحرية الاعتقاد واحترام الطقوس، والشعائر الدينية، وأماكن التعبد بالنسبة لسكان الأراضي "المستعمرة"، مقابل تكريس بعض الأعراف التي تدل على التبعية السياسية، كفرض الإتاوات، وتعيين ولاة للسلطان على الأراضي المفتوحة، كدلالة على الحدود السياسية اللامحدودة للإمبراطورية الإسلامية، ولم يكن هذا مقتصرا فقط على الخلفاء، بل حتى على الدولة الأموية في فترتها الأولى مع معاوية وابنه، وفي الفترة الثانية مع عبد الملك بن مروان، وأخوه سليمان، وقائد جيوشهم موسى بن نصير، وهنا تتجلى القوة التأثيرية لرجالات الإسلام في مراحل بنائه الأولى، إذ رغم غزوه لأراضي الآخرين، فإنه يترك لهم حرية المعتقد والتعبد، ويفرض عليهم النظر اليومي إلى ما يتيحه من امتيازات من قبيل التعددية في الزواج، ومشاركة المسلمين للوافد الجديد إلى الإسلام في الغنائم،والسبايا، وعائدات الغزوات، و أنفالها  - طالما أن المسلمين شكلوا  قوة حربية آنذاك سمع بها القاصي قبل الداني - بل وحتى مشاطرتهم في أموالهم وأهلهم – المقصود أزواجهم – إذا كان هذا الوافد  معدما. فأي متهور هذا الذي يخير بين هذا وبين ذاك، بين أن يكون سيدا رفقة المسلمين الأقوياء مالا وجاها، وبين أن يكون مجرد مواطن من الدرجة الثانية في بلده فلا يحظى بهذه الخيرات؟ ولا حاجة إلى التذكير أن نفس النهج تنتهجه كل القوى الاستعمارية عند احتلالها لبلد ما من حيث استقطاب موالين لها من البلد المستعمَر ،الذين يصيروا خونة في نظر المستعمَرين (بفتح الميم).
   إن تاريخ الإسلام – السياسي أساسا – قد داخلته عوامل شتى، وبالإضافة إلى ما سبق أن قيل بصدد الهاجس التوسعي للمسلمين عبر التزيي  بزي نشر العقيدة الإسلامية، نشير كذلك إلى اعتبار آخر وثيق الصلة بسابقه، ويتجلى في أن العديد من القياد المسلمين كانوا يتغيون "مجدا شخصيا"، لذلك عرفوا بشجاعتهم الناذرة وقدرتهم على غزو أعتى الحصون وأشدها تحصنا، بل وأقدسها أحيانا – الحجاج بن يوسف الثقفي مثالا،  فقد غزا العديد من البلدان باسم نصرة الإسلام، وأجرم بحقه بالعديد من المواقف، كقصف مكة بالمجانق – وبالتالي فلا يجب قياس تحول الإسلام إلى إيديولوجيا للنهب،والسلب، والقمع، والتسلط، وقطع الرقاب على ممارسات من يدينون به، فما نظن بأن هكذا متحدث، محق في اعتبار حديثه في محله بهذا النحو، طالما حاولنا تبيان الفرق بين الإسلام كدين، وبين إمكانات تأويله السياسية، وبينه وبين  هذا التقليد اليومي الموروث، الذي دأب المسلمون على توارثه، مثلنا في ذلك مثل المتحدث عن الماركسية كما جاءت في النصوص المؤسسة لها كهيغل – وأشدد على هذا الاسم عن وعي ! – وماركس وإنجلز... وغيره، وأن نتحدث عن ممارسات "الماركساويين التصفويين" الفاشستية ومجازرهم الرهيبة فيما بعد ، والتي هي أبعد عن روح الماركسية كنص مؤسس ذي ثوابت وذي متغيرات، رامت تحقيق العدالة الاجتماعية للإنسان. فهل نحاكمها بممارسات أبناء دارها؟ نقول بصدد ذلك ما سبق أن قلناه بصدد الإسلام ما يقاس فساد الماركسية بفساد معتنقيها ومعتقديها، كما لا يقاس فساد الابن والحفيد على فساد الأب والجد !!!(يتبع)




[1]  - ويبدو أن الرقم كبير جدا في تلك الحقبة، وقد ورد هذا الرقم في كتاب "تاريخ الخلفاء " لجلال الدين السيوطي، مراجعة وتعليق جمال محمود مصطفى، دار الفجر للتراث، القاهرة،ص 139
[2]  - يقول نيتشه في هذا الصدد "إن الكلمات الأكثر هدوءا هي التي تستدرج قدوم الإعصار، وإن كلمات تتقدم على أرجل الحمائم لهي التي توجه العالم" (أوردها في كتابه:هو ذا الإنسان، ترجمه عن الألمانية علي مصباح، منشورات الجمل ص 10.) .
[3]  -  جاكلين لاغريه، "الدين الطبيعي": ترجمة منصور القاضي،منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر  والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1993، (انظر الجدول بالصفحة 82 ),

هناك تعليق واحد:

  1. Wynn Palace Casino: The Buffet with Spades and More - Dr.MCD
    The 안산 출장마사지 Wynn Palace Casino is one 화성 출장안마 of the largest 광주광역 출장마사지 hotel and casino 양주 출장마사지 resorts in the United States, 용인 출장샵 with 2,748 guest rooms, suites, restaurants, theaters,

    ردحذف