عادل
حماموش
عمل الربيع الديمقراطي، خصوصا
في بلدان شمال إفريقيا، على تشكيل واقع سياسي جديد، مهد لصعود الأحزاب الإسلامية
وتصدرها السلطة مستفيدة من زخم شعبي متعاطف، إلا أن هذا الصعود رافقته معارضة قوية
ومقاومة فكرية وإعلامية من طرف القوى الحداثية في هذه البلدان، جعلت أصحاب الإسلام
السياسي
ومن تعاطف معهم يصورون هذه المعارضة على أنها مؤامرة منظمة من أطراف
داخلية وخارجية هدفها إفشال المشروع الإسلامي ووأده في مهده، بل وجعلوا منها حربا
معلنة ضد الإسلام من طرف قوى "الكفر والإلحاد". وما زاد في تكريس هذه
الصورة المغلوطة وإعطائها تبريرا إضافياهو إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر بعد
ثورة 30 يونيو.
لماذا إذن كل هذا التحامل على
الأحزاب الإسلامية؟ لماذا هذه المقاومة الشرسة ضد المشروع الإسلامي؟ هل هي معارضة
لحزب وإيديولوجيا سياسية أم حرب ومؤامرة ضد دين وعقيدة؟ هذه أسئلة بالتأكيد ليست جديدة،
ولكن الواقع السياسي الراهن يعيد طرحها بشكل أكثر خطورة، وخطرها يكمن في خطر
الأحكام الجاهزة التي يتم التسويق لها بشكل واسع بين عامة الناس. من هنا تبرز
ضرورة التصدي لهذه الأفكار وفضح المغالطات التي تضمرها.
لا بد من الإشارة أولا إلى أن
المفهوم الكوني للديمقراطية يتضمن قضيتين حتميتين متلازمتين: الأولى أن العملية
الانتخابية تفرز رابحا وخاسرا، وعلى الخاسر القبول بالنتيجة والسماح
بالانتقال السلمي للسلطة، غير أن ذلك لا يلغي حقه في تكوين جبهة معارضة، ما يحيلنا
على النتيجة الثانية التي تحتم وجود معارضة تمارس حقها في النقد والتعبير عن
مواقفها دون خوف من الممسكين بالسلطة. فكل تضييق على المعارضة وكل محاولة
لإسكات صوتها هو نسف لأسس الديمقراطية وتأسيس لنظام الحزب الواحد. على هذا الأساس
فما يسمى تحاملا على الأحزاب الإسلامية هو في الحقيقة معارضة مشروعة، بل هي شرط
الديمقراطية الحقيقية، خلافا للديمقراطية الشكلية حيث نجد الجميع يسبح بحمد الحزب
الحاكم ويطبل له.
إن حزب العدالة والتنمية في
المغرب، وحزب النهضة في تونس، وحزب الحرية والعدالة في مصر وقس على ذلك، هي مجرد
أحزاب سياسية وليست كيانات مقدسة، وبما هي كذلك فهي عرضة للنقد وللمعارضة وحتى
للسخرية، هذه هي السياسة. غير أن هذه الأحزاب عندما تتخذ من الدين مرجعها الأساسي
فهي تنظر لنفسها على أنها مالكة الحقيقة المطلقة تضفي على ذاتها قدسية هي من قدسية
الدين، وتوظف في خطابها وممارستها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الثنائيات اللاهوتية
التقليدية: الإيمان والكفر، الجنة والنار... وهي لا تستطيع التخلص منها لأنها جزء
أساسي من نمط تكوينها الفكري، ما يجعلها تنظر للآخر المختلف والمعارض من خلال هذه
التصنيفات الضيقة.
فمن أخطر مغالطات أصحاب
الإسلام السياسي أنهم ينصبون أنفسهم حماة للدين ويجعلون من يعارضهم عدوا للإسلام،
فيحولون بذلك الصراع السياسي إلى صراع ديني. غير أن الأمر لا يعدو كونه منافسة
مشروعة بين إيديولوجيات ذات مشاريع مختلفة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، التي
تفترض، من حيث المبدأ، تحييد الدين باعتباره مجالا للمقدس وحصره في مجال الفضاء الخاص
للشخص. فحتى أكثر المعارضين للمشروع الإسلامي راديكالية، وأقصد أصحاب المشروع
العلماني، لا يرفضون الدين ولا ينكرونه، وإنما يعارضون توظيفه في الصراع السياسي
واستعماله لممارسة الوصاية على فكر الآخر.
يتضح إذن أن الأحزاب الإسلامية
تعاني من عقدة سياسية، أسميها عقدة المعارضة، وهي عقدة نابعة بالأساس عن وجود
تناقض في البنية الفكرية العميقة لهذه الأحزاب نتيجة الجمع بين عنصرين متعارضين،
الأول هو الفكر الديني الذي يقوم على أساس الحقيقة الإلهية المقدسة وتصنيف الناس
إلى مؤمنين وكفار، والعنصر الثاني هو متطلبات اللعبة الديمقراطية التي تقوم على
أساس الحقائق النسبية وتعايشها وفق مبدأ حرية الرأي والتعبير. فإذا كانت أعراض هذه
العقدة قد تمظهرت بشكل واضح في خطاب وممارسة الإخوان المسلمين في مصر ما عجل بسقوط
حكمهم، فإن إخوانهم في المغرب استطاعوا تجاوزها إلى حد ما في خطاباتهم الرسمية،
نتيجة استفادتهم من تجربة الانفتاح الديمقراطي النسبي الذي سبق صعودهم للسلطة
وتمرسهم بالمعارضة خلال هذه الفترة، لكن هذه الأعراض تبقي حاضرة داخل أنشطتهم
الحزبية وفي اللغة العفوية لمنتسبيهم والمتعاطفين معهم خصوصا المتشبعين بالفكر
السلفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق