خلال الندوة الافتتاحية لمنتدى الفكر الحر الذي اطلقه
عدد لابأس به من المفكرين و الباحثين يوحدهم عداؤهم للظلامية، تطرقت في مداخلتي لارتباك
موقف المثقفين
من هذه القوى لاوضح كيف يهاجمون مشروعها على صعيد الخطاب و ينسقون
معها على صعيد الفعل السياسي او يدافعون عنها عفوا او قصدا اذا تعلق الامر بالتخوم
بين الخطاب و الفعل كماهو الشأن حينما يدافعون عن " الثورة السورية" و
في الدفاع عنها دفاع عن مشروع الظلامية و من خلفه مشروع الامبريالية و العنصرية
الصهيونية.
حينئذ رد علي احد "الباحثين" منتقدا استخدامي
لمفهوم الظلامية، و اعتبرها ضربا من ضروب المانوية او احكام القيمة! حينها رددت
عليه بلغة نهاية الشوط التي لاتعجب غالبا عشاق السديم الفلسفي و التيه في السؤال
اللامفضي الى اي موقع او موقف ، قلت : بخصوص المانوية فوجودنا لا يحتمل اكثر من
موقفين نحن نوجد او لا نوجد لا وسط بينها و الشك في المسألة يقتضي الوقوف امام
القاطرة، و بخصوص احكام القيمة فمنشأ العلوم الانسانية كلها كان في حضن تلك
الاحكام و الا فلنستغن عن مفاهيم من قبيل السياسة و الدولة و الديمقراطية فكلها
كانت يوما عبارات عامة و احكاما جزافية و تكونت تاريخيا لتفضي الى التعقيد و
التقعيد المفاهيمي الذي ندركها عليه و من خلاله اليوم.
تبحث الانثروبولوجيا في جذور الدلالات الثقافية للظلام و
النور بحيث ان الادراك البشري لاهمية الشمس و ما تبعثه من نور و دفء و تمكين
للانسان من مواجهة المخاطر و مده بالقدرة الكافية على التحكم في الطبيعة، كان
ادراكا كافيا بالقدر نفسه ليجعله يرتبط بالنور و الابيض الى حد التقديس في حين
ينزع الى الصاق كل اشكال التشاؤم و الخوف و الريبة بالظلام و الاسود. بطبيعة الحال
مفهومي الظلام و النورو انضواؤهما تحت ثنائية الخير و الشر استعملا لأغراض مختلفة على مر العصور، لكن
اليوم حينما يتم استخدامهما للدلالة على اشياء مغايرة لما استخدما له ابتداء لا
يلغي الاساس الانثروبولوجي و انما يتفق مع الشرط التاريخي لتكوين المفاهيم.
حينما يطلق مفكروا الانوار على حقبة بكاملها امتدت لقرون
من تاريخ اوروبا " عصور الظلام" و على عصرهم "عصر الانوار"
فهم لا يطلقون حكم قيمة و انما يقصدون بان تلك العصور كان الانسان يحكم فيها و
ينظر اليه من خلفيات غيبية بعيدة عن واقعه و ما تمليه طبيعته كانسان يفترض ان يكون
حرا و ان تكون القداسة لعقله و فكره فقط دون تمييز على اساس الدين او الانتماء
العرقي، فالظلامية هي العودة الى الماضي الذي كان ينظر الى الانسان بمنظار الماضي
السحيق.
كما سبقت الاشارة من يرى ان مفهوم الظلامية غير سليم
علميا في حين تبقى الفاظ من قبيل الاصولية و الاسلاموية الفاظ علمية ! فهو احد
طرفين: اما طرف لا يريد ان يحرق سفن العودة للتحالف مع القوى الظلامية او طرف يملك
تصورا مرتبكا مشوشا بخصوص المفهوم و بخصوص العلم و العلمية و لا يستوعب الامور في
عمقها و بالتالي يمكنه ان يمشي خبط عشواء يستفيد من خطواته الغير محسوبة و الغير
واعية الاعداء قبل الاصدقاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق