الجمعة، 19 يوليو 2013

لقاء مع نوال السعداوي

أحمد عصيد
في لقاء جمعني بالدكتورة نوال السعداوي امتدّ لأزيد من ثلاث ساعات، تبادلنا وجهات النظر حول انتفاضة 30 يونيو وحركة "تمرد" المصرية، وتعقيدات الوضع الراهن، وطموحات القوى الثورية في أرض الكنانة، ودور الجيش والقوى السياسية التقليدية. كانت الكاتبة الكبيرة  التي جاوزت الثمانين تتحدث بحماسة وحيوية الشباب، وكان بيت القصيد في كلامها ضرورة أن يبدع الشباب
أساليب نضالية جديدة من أجل تجاوز الحلول الكلاسيكية التي لا تزيد الأزمة الحالية إلا استفحالا، وكان السؤال الجوهري الذي ألححتُ عليه منذ البداية وظلّ يشكل نقطة استفهام كبيرة حول مآل انتفاضة المصريين وأبعادها هو التالي: كيف يمكن العبور من ثورة الشارع إلى المؤسسات ؟ وبصيغ أخرى: لماذا يقوم شباب الثورة بالانتفاضة، ثم يقوم غيرهم بعد ذلك بجني ثمارها دونهم، وفي اتجاه معاكس لأهدافهم ؟ لماذا لم تسفر الثورة المصرية عن قوة سياسية فتية وجديدة تستطيع التأثير في مسار الانتخابات التشريعية والرئاسية، ليحصل المصريون في النهاية عن مؤسسات منبثقة من عمق الثورة وروحها وعاملة من أجل أهدافها ؟ لماذا لم تشهد الساحة المصرية بعد الثورة إلا الصراع التقليدي بين فلول النظام وتنظيم "الإخوان" وهما طرفان أحلاهما مرّ بالنظر إلى تطلعات قوى الشارع المصري، والتي لا يستطيع أي من الطرفين تحقيقها ؟ لماذا كانت نسبة المقاطعة كبيرة في الاستفتاء على الدستور، مما سمح بإقرار دستور أقلية دينية عوض دستور الشعب المصري ؟
كانت تلك هي الأسئلة الجوهرية التي دار حولها الحديث، وما قمت باستخلاصه من هذا النقاش الهام، هو أمور أجملها في العناصر التالية:
ـ ضرورة إنهاء التشويش في مفهوم الديمقراطية ومعناها وقيمها وبشكل حاسم حتى لا يتم إعادة إنتاج ما يجري حاليا، وذلك لكي يقرّ الجميع بعدم إمكان تمييع الديمقراطية باختزالها في آلية التصويت وصناديق الاقتراع والأرقام المعبرة عن أقلية وأغلبية، والتي توظف في النهاية من أجل تكريس التسلطية باسم شرعية الانتخابات. المطلوب أن يتمكن الجميع من استيعاب القيم التي تمكن من ترسيخ مبادئ احترام الحريات والحق في الاختلاف  والروح التشاركية المواطِنة، المبادئ التي تجعل كرامة الإنسان هي العليا.
ـ أن تعمد قوى الانتفاضة إلى تنظيم نفسها ووضع الثقة في قيادة وتنظيم أو جبهة تلمّ شتات التنظيمات التي فاقت الثمانين حزبا، والتي لعبت بتشتيتها للأصوات دورا إيجابيا لصالح "الإخوان" وفلول نظام مبارك، وخوض غمار الانتخابات لضمان تواجد صوت الثورة داخل المؤسسات، والحرص على التقويم من الداخل عوض قلب الطاولة باستمرار من الشارع.
ـ محاربة ثقافة "المقاطعة" التي تمنح حظوظ الفوز للأقليات المنظمة، وتجعل الأغلبية المتفرقة خارج اللعبة، والتي مصدرها ـ أي المقاطعة ـ ضعف الحوار بين قوى الانتفاضة، وضعف الثقة في بعضهم البعض.
ـ العمل في عمق المجتمع وبكل الوسائل السلمية والتأطيرية من أجل تأهيل المواطنين وعموم السكان، والرفع من مستوى وعيهم السياسي والمدني وتعميق إدراكهم لقيم الثورة ولمعنى الديمقراطية، ولقيمة أصواتهم في عملية الاقتراع.
إن المخرج الوحيد من عنق الزجاجة الذي تتواجد به الثورة المصرية في محطتها التاريخية الراهنة، هو إيجاد كلمة السر في العبور من الشارع إلى المؤسسات، مع الحفاظ على روح الثورة وشعاراتها وقيمها وأهدافها، حتى لا يشعر أحد بعد ذلك بأن الثورة قد سُرقت، أو أن أهدافها قد حُرّفت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق