اصبحت
القوى الظلامية التي تؤسس مشروعها على ارضية الدين او العرق او هما معا تعطينا
دروسا في الديمقراطية و الشرعية الانتخابوية !
امر بدا واضحا للعيان في مصر بعد الانتفاضة
الشعبية العارمة ضد نظام الاخوان في مصر، و لعل صراخهم من اجل "الانتصار
لليمقراطية والشرعية" هو تعبير عن رؤيتهم المضببة و المشوشة للديمقراطية من جهة
و كشاف ايضا عن طبيعة جهازهم المفاهيمي و عقمهم النظري الذي يتأولون عبره المسألة
الديمقراطية.
رست مختلف
مدارس الديمقراطية في الفلسفة البرجوازية في اوروبا القرن الثامن عشر و ما بعده
على سمة اساسية و جوهرية للمفهوم نفسه على صعيد بنائه النظري اساسا، يتصل الامر
بمسألة الاعلاء من قيم الانسان بما هو انسان حر يجب ان تقدس حريته و كينونته، و
تأسيسا على هذا ترسخ مفهوم المواطنة ضمن تلك الادبيات بحيث اصبح يُنظر للانسان
كانسان مواطن بصرف النظر عن معتقده و عرقه و ميولاته الفردية، و لدى وصولنا الى
المستوى الاجرائي في الديمقراطية نتحدث عن الاليات التي يتم من خلالها انتقال
السلطة وممارستها و تداولها في اطار احترام الاطار المشار اليه انفا، بكلمة واحدة
لا يمكن تصور ديمقراطية خارج فصل بين الديني و الزمني على مستوى تدبير الشؤون
العامة في المجتمع.
و بشكل
معاكس تماما لهذه الاسس يطفق منظرو وشيوخ القوى الظلامية يتشدقون بقدرتهم على
المساكنة بين اسلامهم الخاص! و
الديمقراطية. فتستحيل الديمقراطية مجرد الية صندوقية عددية تسمح بمرورهم الى
السلطة باستثمار الكذب و الدعاية المتاجرة بمبادئ الدين و توزيع الزيت و
السكر !، و بمجرد الوصول الى المبتغى يشرعون في تدمير الديمقراطية اولا و
بناء ايالتهم المجيدة المقدسة !و لان
الظلامية الدينية و العرقية وجهان لعملة واحدة فلنشر الى ان هتلر وصل الى السلطة
بالانتخابات و الديمقراطية العددية ليشرع في تدميرها فيما بعد.
و لعل
تجربة الاخوان بمصر تظهر بجلاء كيف يستغلون الالية الانتخابية والدين معا و و كيف
شرعوا بعد ذلك يضربون بعرض الحائط الميثاقية و مبدأ التعاقد بين الناخب و المنتخب
و يهرعون الى الترويج لدولة اقصاء كل من ليس منهم، يفهمون من الية الانتخابات
بدورها انها شيك على بياض يمنحه لهم المواطنون كي يكتبوا عليه المبلغ الذي يريدون
و ليس لمن لف حبل المشنقة حول رقبته و منحهم صوته ان يعترض او يلغي تعاقده معهم ان
اسيء استخدام صوته. و بهذا يمكن تفسير عويلهم و من والاهم عقب اسقاط حكمهم في مصر.
في حقيقة
الامرفالظلاميون سواء منهم المفضوحون ( القاعدة و الوهابية) او المتسترون
(الاخوان) هم يعادون الديمقراطية بوصفها لا تمت للاسلام بصلة! و لا يرونها انجازا حضاريا للانسانية عبر
تاريخها الطويل، و الاخوان و من لف لفهم حينما يقبلون بالديمقراطية فهم يقبلونها
على مضض لانه في مخيالهم الجمعي يعتقدون انها كفر و انتاج لدار الكفر، و من ناحية
ثانية هم يشوهونها و يتعاملون معها بانتقائية كما اشرنا و تأسيسا بالتالي على
موقفهم الحقيقي منها. خلاصة القول ان الديمقراطية التي توصل الظلام الى
السلطة هي اما ديمقراطية منقوصة و مشوهة او -على حد تعبيرالمفكر سيد
القمني- ديمقراطية منعدمة!.
تكييفهم
للديمقراطية على النحو السالف الذكر يظهر ركونهم الى التعامل مع جزء من محصلة
يترجمها الحاضر على صعيد المنجز الحضاري البشري لضرب هذا المنجز في اخر المطاف و
العودة بمجتمعاتنا ربما الى حوالي ستة الالف سنة قبل التاريخ، فحين يصبح الفن
حراما و الفكر و التعبير حراما و الابداع معصية يصبح الانسان كائنا يصلح
للتوالد و الاكل و يصبح المفكر عبد الله القصيمي الذي يرى ان المعصية/ الابداع هي
ما يصنع الحضارة – يصبح مرتدا و زنديقا !! . و يصبح النموذج الافضل و المنشود و الارقى
عند هؤلاء متطابقا مع افغانستان طالبان او سودان النميري، و يتجه الظلاميون
ليزيلوا من التاريخ صفحات مشرقة و نقطا مضيئة عرفتها الحضارة العربية الاسلامية
حينما كان الاسلام قائما بهذا المعنى فصمت طويلا صوت الحلال و الحرام و التكفير و
التبديع و الافتاء بالقتل و فسح المجال للفن و المعمار و الفلسفة و الادب و
الموسيقى و الطب الفيزياء و الرياضيات و الكيمياء ... بالرغم من ان كل عظماء
الحضارة العربية الاسلامية كانوا عند ابن تيمية و امثاله منصرفين عن العلم الشرعي
و ضلالا و فساقا و زنادقة ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق