*رداد العقباني أستاذ جامعي بالسوربون ودبلوماسي سابق
الآن، وقد وقع ما كان محتماً أن يقع، وتدخل الجيش بطلب من
الشعب لحماية الشرعية في مصر، الشرعية الثورية لا السلطة الانتخابية، فقد استجدت
حقائق كثيرة وقوى جديدة بعد عزل الرئيس محمد مرسي وإعلان خريطة طريق جديدة.
وكان الرئيس مرسي - وهذه حقيقة لم يعد في مقدور أحد أن
يجادل فيها – يريد أخونة المجتمع والدولة المصرية. وذلك عن طريق خرافة الشرعية
الدستورية، وفي الحقيقة، فإنها لم تكن هناك شرعية ولا كان هناك دستور، وإنما كانت
هناك سلطة انتخابية نسبية حسب آليات الديمقراطية. وقد انتهت صلاحيتها بعد عجز
الرئيس المصري المعزول عن احترام العقد السياسي والاجتماعي مع الشعب، والأخطر
استقواؤه بجماعته لترتيب حكم المرشد العام للإخوان المسلمين بمصر على غرار ولاية
الفقيه بإيران.
كل المؤشرات كانت تدل على أن مرسي لم يكن مؤهلاً لحكم مصر
بكل ما تعنيه من وزن إقليمي ودولي.
وللإنصاف الرجل تولى الحكم بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام
مبارك الفاسد، الذي ترك ملفات عديدة تحتاج للإصلاح، ووقع في أخطاء عديدة، أخطرها
نوايا إقامة حكم المرشد لهيمنة جماعة واحدة على المجتمع وسرقة الثورة، ومصر أكبر
من أن تتحول الى ملكية تيار أو جماعة، وشعب مصر أكبر من أن يتحول الى مريدين
للمرشد بديع، والشباب يرفض فكر سلطوية الاخوان ومنهج الشيخ والمريد.
إسلاميو
مصر ورئيسهم المعزول ومرشد جماعتهم تخلوا عن دورهم في تدبير الأزمة الخانقة، وأصبح
همّهم التمكين لتيارهم ومذهبهم ورجالهم. السبب الذي أدى إلى انفجار الغضب الشعبي
ضدّ حكم مرسي، الذي نسي أنه وصل إلى الحكم بعد ثورة شعبية ذات مطالب واضحة يصعب
الالتفاف عليها، ولم تقودها جماعته ولم يكونوا إخوانه من أطلقها.
ثم وهذه نقطة حاسمة.. هناك جيش وطني ليس بينه وبين الشعب
بكل أطيافه خلاف. وهذه جزئية أغفلها مرسي ومرشده وجماعته، تجربة ما يمكن توصيفه
بـ"ثورة شعب شباب السيسي"، هي بدعة حسنة حصنت مصر سياسياً ودينياً،
وضمنت له الاستقرار بعد منطق الصراع الطائفي الذي أطرته جماعة الإخوان المسلمين،
وزعزعت – التجربة - العديد من المسلمات التي ركنت اليها كبريات مراكز البحث
والدراسات ومراكز القرار في العالم، فانفجار ثورة "التمرد" أدى الى
إسقاط حكم المرشد بمصر.
وأثار العديد من التساؤلات حول بدعة الفريق السيسي، لعدم
قدرة هذه المراكز على التنبؤ أو إعطاء مؤشرات على دهاء الفريق أول السيسي، الذي
أدرك بحكم تجربته السابقة على رأس مخابرات الجيش أن الأغلبية غير المنضوية في
أحزاب سياسية انحازت للثورة على الرئيس مرسي وعلى جماعة الإخوان المسلمين، وهناك
في الادبيات الدستورية ما يسمى بسحب الثقة عبر الأغلبية، لمن يقول إن ما حدث
"انقلاب على الديمقراطية والشرعية".
نعم، هناك رئيس منتخب ديمقراطياً، ولكنه لم يصل الى الحكم
على أساس برنامج، ولكن على دم شهداء الثورة وبصفته حامل لواء الاخوان وحزبهم
الأكثر تنظيماً. ويبدو أن حزب الحرية والعدالة تحول الى "حزب التوبة"
وليس "الثورة"، فهذه الأخيرة قد تم تأجيلها الى أجل غير مسمى.
وهناك منطق الثورات، الذي يفرض تحديات كبرى، وقد فشل اخوان
مصر في استيعابها والتعايش معها. ولهذا لا يجب تضخيم قوة الاسلاميين، لأن حركية
تغييرية عميقة كامنة في المجتمع المصري تتجاوز كثيراً الرؤى السياسية الإسلامية
سياسياً. والذين وصلوا للحكم عبر صناديق الاقتراع، مرسي نمودجاً، قدموا تنازلات
ترتبط بتقنية التقية، وفي ممارستهم للسلطة كشفوا أنهم لم يتصالحوا مع قيم
الديمقراطية، بل مع مجرد آلياتها.
وكانت حركة "التمرد" على حكم المرشد، وحماية
الجيش لمصر وشعبها. وليس كما اعتبرها كثيرون انقلاباً عسكرياً على الشرعية
الدستورية، ومواجهة بين الاخوان المسلمين والمتمردين على حكم مرسي، محورها قضية
الديمقراطية، وهو ما ادعي، اختزال وتبسيط غير دقيق، لا يساعد على فهم ما حدث.
كان ولازال من حق الاخوان المشاركة في اللعبة السياسية
والوصول الى الحكم بآليات ديمقراطية، وهذا حق مشروع. لكن توظيف هذا الحق في خانة
الإصرار على زرع الفتنة وتأجيجها في الاسلام لصالح أجندات معروفة وتأصيل العنف
العقائدي بمصر خطأ وخطر.
وهو
ما حصل في سنة حكم الدكتور محمد مرسي ما أدلى الى التمرد عليه وجعل تياره مداناً
شعبياً، ما وقع ليس انقلاباً عسكرياً بمعناه التقليدي المتعارف عليه قانونياً، حيث
يطيح الجيش بالرئيس ويشكل مجلساً عسكرياً لحكم البلاد، بل خطة محكمة للجيش لتلبية
نداء الشعب المصري وحمايته في إطار الشرعية الثورية، وكان حريصاً على ولاء ودعم
مؤسسة الازهر والكنيسة القبطية، وجبهة الانقاذ المعارضة، وحركة تمرد التي تضم جيل
الشباب، أي كان حريصاً على مشاركة السلطات الدينية والأقليات وممثلي أغلبية الشعب
المتمردين على حكم مرسي.
السؤال
الآن هو حول كيفية تسويق الفريق أول السيسي لخريطة طريقه خارج مصر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق